Menu

الاقتصاد في تحركات الشعوب 

السودان

خاص بوابة الهدف

منذ بداية تحركات الشعوب العربية لتغيير النظم الحاكمة، لعبت النخب المسيطرة على المشهد العام دورًا في إعادة صياغة مطالب الجماهير على نحو مختلف، وغالبًا ما لجأت على نحو ممنهج لإسقاط المطالب الاقتصادية والاجتماعية، وتبني مقولات ليبرالية فضفاضة تتعلق بتغييرات في رأس النظام وشكل القوانين، بما لا يترك أثر يذكر على النظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة، وعلى مصالح هذه النخب التي تعتبر بشكلٍ أو بآخر مستفيدة ومرتبطة بعمق بالنظم المسيطرة حتى وإن كان دورها من موقع المعارضة أو من مواقع أخرى ثقافية، أو إعلامية.

حينما كان يتم تناول العنوان الاقتصادي من قبل الجماهير في حشودها الميدانية كانت المطالب واضحة وبسيطة، طالب الجمهور بالخبز والتعليم والصحة، وضمان العيش الكريم واللائق، لكن النخب غالبًا ما اختزلت هذه المطالب الاقتصادية تحت عناوين تتعلق بمكافحة الفساد أو معاقبة بعض الفاسدين من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالرؤساء والحكام وأسرهم ومحيطهم الضيق، في تجاهل فظ للخلل الكبير في المنظومات الاقتصادية في معظم الدول العربية التي تتجه لاقتصاديات السوق المشوهة، وتفكك منظومات الضمان الاجتماعي.

لعل أهم ما أنجز في الوطن العربي في مرحلة ما بعد الاستقلال، هو تكون طرح واضح ووعي جماهيري حول واجبات الدولة والحكومات اقتصاديًا تجاه المواطن، وهو ما قاد لقوانين الإصلاح الزراعي والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية ومجانية التعليم، والدعم الحكومي لقطاعات الغذاء والاحتياجات الاساسية للمواطن، هذه المكتسبات انتزعت من الجمهور العربي لاحقًا في مرحلة "تحرير الاقتصاد" وتركت المواطن مكشوفًا معرضًا لإثقال وتجويع حقيقي بفعل اقتصاديات السوق ونهب رجال الأعمال للدولة بفضل سياسات الخصخصة الخبيثة. 

الحضور النقابي القوي في الحراك السودان ي والدور المتقدم للحزب الشيوعي السوداني في هذا التحرك، وكذلك الحضور الطلابي في حراك الجزائر، تعطي لمحة أمل بإمكانية الالتفات الجدي من القوى الثورية لمطالب الجمهور في الجانب الاقتصادي، ولكن هذا وحده لا يشكل ضمان.